منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

قد وقع في المفسدة ، ولكن لا يخفى ما فيه إذ بعد فرض كون المفسدة هى الضرر لا بد للشارع من حفظ المكلف من الوقوع فيه ولو بايجاب الاحتياط. ثم لا يخفى ان المناط لما كان الغالب هي المضرة الشخصية دون المضرة النوعية كان الاولى العدول عما ذكر من الجواب على تقدير ان يراد من المضرة هى المضرة الدنيوية. والجواب عنه بنحو آخر بأن يقال بمنع الكبرى وهي وجوب دفع الضرر المظنون فان الحكم بدفع الضرر المظنون ان كان هو الحكم فيها بملاك التحسين والتقبيح فيكون الحكم عقليا فلا يجب مراعاته إلا على القول بالملازمة بين الحكم العقلي ،

__________________

التقرب انما يحصل بالامر ومع الشك فيه كيف يحصل امتثال الامر العبادي وان كانت محرمة فالمناط في المفسدة النوعية فكالواجبة ، فان المناط فيها هي المصلحة النوعية وان كانت شخصية فهو وان حصل الظن بالضرر إلا ان الكبرى غير مسلمة إذ لا يجب دفع الضرر الدنيوي المظنون اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحكام المظنونة بظنون غير معتبرة اما ان تكون عبادية او نظامية او شخصية ، فان كانت عبادية فالظن بها لا يلازم الظن بالضرر حيث انها منوطة بقصد التقرب ، وقصد التقرب لا يحصل إلا في صورة العلم بالامر الواقعي ومن الواضح يتوقف على احراز الواقع ، اما بالعلم او الظن الخاص وان كانت نظامية اي واجبات كفائية كالطبابة والخياطة ونحوهما من الاشياء التي يتوقف عليها النظام فمخالفة الظن بها لا يلزم منه الظن بالضرر لاعتبار الضرر فيها نوعيا لا شخصيا والعقل لا يحكم بوجوب دفع الضرر النوعي وانما يحكم بوجوب دفع الضرر الشخصي وان كانت احكاما شخصيه فلا يكون فوات المصلحة والوقوع في المفسدة ضررا لرجوعه الى عدم النفع في الاول وكونه اعم من الضرر في الثاني فافهم وتأمل.

٢٦١

والحكم الشرعي. وقد عرفت من مطاوى كلماتنا بمنع الملازمة وحينئذ نقول بعدم التلازم بينهما ، فلا اشكال في عدم كون العقل يدرك جميع مقتضيات الشيء وموانعه ، وليس لأحد ذلك إلا للشارع الحكيم العالم بجميع مقتضياته وموانعه فاذا كان ذلك كذلك فربما يحكم العقل بشيء وكان له مانع لم يدركه ومنع عنه الشارع لاطلاعه على المانع فينفك حكم العقل من حكم الشارع. وأما اذا كان حكمه حكما جبليا فقد استقرت سيرة المتشرعة على العمل به فهو لا يكون حكما عقليا محضا ، وانما هو من الأحكام الشرعية لقيام سيرة المتشرعة على العمل به على انه يمكن لنا منع قيام السيرة فافهم وتأمل.

الثاني ـ مما استدل به على حجية مطلق الظن هو انه لو لم يؤخذ بالظن واخذ بغيره لكان ترجيحا بلا مرجح واللازم باطل ، فكذا الملزوم (١) ، وفيه

__________________

(١) وحاصل هذا الوجه هو ان الأخذ بغير الظن يلزم ترجيح المرجوح وهو باطل فيلزم الأخذ بالظن ولا يتم هذا الوجه إلا بأن يكون التكليف منجزا وتردد بين الأمر في مقام الامتثال بين الأخذ بالظن والأخذ بخلافه كما لو ترددت القبلة بجهات يظن بأنها في بعض الجهات ولم يمكن الاحتياط فيتعين الأخذ بالظن وإلّا لزم ترجيح بلا مرجح أو ترجيح المرجوح وان لم يكن التكليف ثابتا فلا مانع من الرجوع الى البراءة أو الرجوع اليها لا يكون من ترجيح المرجوح. والحاصل ان هذا الوجه يتوقف على أمرين بتنجز التكليف وعدم امكان الاحتياط ، ومع هذا كله لا ينبغي عده دليلا مستقلا بل هو راجع الى دليل الانسداد وقد قربه بعض المحققين بأن ترجيح المرجوح قبيح ، إنما هو بحسب الاغراض المولوية لا بحسب الاغراض الشخصية إذ ذلك من المحالات الاولية

٢٦٢

انه لا ينبغي جعل هذا الدليل دليلا برأسه بل هو أحد مقدمات دليل الانسداد ، فبضم باقي المقدمات الى هذه المقدمة ينتج تعين الأخذ بالظن فهو راجع الى دليل الانسداد ، فلا معنى لجعله دليلا برأسه وان لم ينضم الى سائر المقدمات فلا ينتج تعين الأخذ بالظن وتقديمه على الوهم والشك كما لا يخفى فافهم.

الثالث ـ مما استدل على حجية مطلق الظن ما عن السيد الطباطبائي قدس‌سره من انا نعلم بوجود محرمات وواجبات ، فبمقتضى هذا العلم الاجمالي الاحتياط في جميع اطراف العلم الاجمالي ولكن يلزم من الاحتياط العسر المنفي بلسان الاخبار ، فالجمع بين قاعدة الاحتياط وقاعدة نفي العسر يقتضي اتيان المظنونات وترك المشكوكات والموهومات. وفيه ما لا يخفى انه راجع الى دليل الانسداد فان انضم الى باقي المقدمات تعين الأخذ بالظن وعليه لا معنى لعده

__________________

لاستحالة تأثير الأضعف دون الاقوى فلا معنى للترديد في المراد في الراجح هل هو في اغراض المولى أو في اغراض الفاعل بل لو وافق ما هو مرجوح بحسب غرض المولى للاغراض العقلائية فانه لا يخرجه عن المرجوحية بحسب غرض المولى ، والغرض العقلائي يوجب رجحانه بحسب ذاته ولا يجعله راجحا بالفعل إذ مقام العبودية والمولوية محفوظ عند العقلاء ايضا فليس للعبد ترجيح ما يوافق غرض العقلاء على غرض المولى ، فقولنا الظن بالوجوب يوجب رجحان الوجوب على غيره انما هو في حد ذاته لا بالفعل إذ ذلك يتوقف على كون الظن حجة معتبرة وإلا لكان الراجح بالفعل غيره. فتمامية هذا الدليل تبتني على مقدمات الانسداد حتى تتمحض المسألة في الظن والوهم حتى يقال الامتثال الظني ارجح من الامتثال الوهمي فلا تغفل.

٢٦٣

دليلا مستقلا في قبال دليل الانسداد وان لم ينضم الى بقية مقدمات الانسداد فلا ينتج تعين الأخذ بالظن فلذا ينبغي صرف الكلام الى بيان دليل الانسداد واغماض النظر عن هذين الدليلين الاخيرين واطناب الكلام في بيانهما وبيان ردهما بلا فائدة بعد ارجاعهما الى دليل الانسداد كما لا يخفى.

دليل الانسداد

الرابع ـ الدليل المعروف بدليل الانسداد فقد استدل به على حجية مطلق الظن وهو مركب من مقدمات اربعة كما عن الشيخ الأنصاري في رسائله ، ومن مقدمات خمسة كما عن الاستاذ في كفايته (١) الاولى : العلم الاجمالى بوجود واجبات

__________________

(١) وقد أورد الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره بعدم الحاجة الى المقدمة الاولى وان العلم بوجود المحرمات والواجبات فعلية إذ ذلك من الامور المسلمة لعدم الشك في ان حلال محمد حلال الى يوم القيامة ، وحرامه حرام الى يوم القيامة ودعوى ان بقاء التكليف يرجع الى المقدمة الثانية ممنوعة إذ المقدمة الثانية لرفع احتمال انه بالانسداد يرتفع التكليف فتكون المقدمة الثانية ترفع ذاك الاحتمال وبالجملة انه ان اريد من العلم ببقاء التكليف هو عدم نسخ الشريعة وان الاحكام باقية الى يوم القيامة فيرد عليه انه لو عد مثل ذلك في المقدمات لعد مثل وجود الصانع والنبوة منها ايضا مع انه من الواضح ان مثل ذلك من قبيل المبادئ ومن الاصول المسلمة المفروغ تحققها فكذلك بقاء التكليف. وان كان المراد من العلم ببقاء التكليف في الوقائع المشتبهة فهو راجع الى المقدمة الثانية

٢٦٤

ومحرمات فعلية. الثانية : انسداد باب العلم والعلمي. الثالثة : لسنا مهملين

__________________

أي انا لسنا بمهملين ، ولكن لا يخفى فان اسقاط الاولى من المقدمات ان كان لاجل عدم مقدميتها فمن الواضح انه لولاها لما كان مجال لبقية المقدمات إلا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وان كان لاجل وضوحها فمن الواضح ان ذلك لا يوجب عدم مقدميتها والاستغناء عن ذكرها كما ان دعوى ادراج المقدمة الثانية في الرابعة بتقريب انه لا يجب الامتثال العلمي مطلقا ، أما التفصيلي فلعدم التمكن لانسداد باب العلم أو العلمي ، واما الاجمالي فللزوم الاختلال أو الضرر والحرج ممنوعة إذ ان تعدد مصاديق المقدمة لا يوجب تعددها كما ان انتزاع جامع يجمعها لا يوجب وحدة المقدمة بل تتعدد حسب تعدد الجهات بيان ذلك ان عدم الامتثال التفصيلي لاجل السالبة بانتفاء الموضوع يغاير عدم لزوم الامتثال الاجمالي وهذه الجهة هي التي لها الدخل في النتيجة فالجهة التي لها الدخل في المقدمة الثانية غير التي لها الدخل في المقدمة الرابعة وان أمكن انتزاع جهة جامعة ثم لا يخفى ان المحقق الخراساني قدس‌سره في الحاشية جعل عقلية الدليل باعتبار عقلية النتيجة وبعد تحقق المقدمات الخمسة يستقل العقل بحجية الظن ولا يخفى ان ذلك انما يتم بناء على الحكومة ، واما بناء على الكشف لحكم الشرع بحجية الظن فلا تكون عقلية والظاهر ان العقلية باعتبار استلزام النتيجة للمقدمات فيكون من قبيل استلزام التالي للمقدم بمعنى انه لو حصلت المقدمات حصلت النتيجة فيكون هذا الاستلزام عقليا بعد فرض عدم امكان الرجوع الى غير الاصول المعمولة اجماعا اذ بعد فرض تحقق المقدم أي المقدمات لو لم يتعين الظن يلزم الخلف أو التكليف بما لا يطاق او التنزل الى مقابليه يلزم ترجيح

٢٦٥

فلا يجب لنا التعرض للاحكام الشرعية. الرابعة : عدم وجوب الاحتياط للعسر والحرج او لاختلال النظام وعدم الرجوع الى الاصول او فتوى الفقيه. الخامسة : ترجيح المرجوح قبيح فينتج من هذه المقدمات تعين العمل بالظن ولا يخفى ان كون المقدمات اربعة او خمسة انما هو باعتبار النتيجة فان عد العلم الاجمالى من المقدمات تكون النتيجة التبعيض في الاحتياط محضا وان لم يعد العلم الاجمالى منها تكون النتيجة اما بنحو الحكومة او الكشف على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى وينبغي قبل بيان هذه المقدمات والتعرض الى تفصيلها ، بيان أمر آخر وهو انه لا اشكال ولا ريب ان العقل لما كان حاكما بالبراءة من جهة قبح العقاب من دون بيان فلا بد من الخروج عن هذا الحكم لأجل وجود بيان لكي يرفع حكم العقل فحينئذ ينبغي لنا تعيين ما هو المصحح للعقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة.

فنقول : تنجز التكاليف بالبيان على نحو يرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يتصور على اربعة مسالك :

الأول ـ منجزية تلك الأحكام بالعلم كما هو مبنى الاستاذ في الكفاية حيث عد الاجمالي من مقدمات دليل الانسداد فجعل بيانية تلك الأحكام الواقعية منحصرة بالعلم ، فاذا وجد بيان ارتفع موضوع حكم العقل بالبراءة فمقتضى بيانية العلم الاجمالي بالاحتياط الكلي في جميع اطراف العلم الاجمالي من المظنونات والمشكوكات والموهومات فاذا كان العلم الاجمالي يوجب ذلك فيلزم العسر

__________________

المرجوح والرجوع الى ما يطابق احد هذه الامور باطل اجماعا كغير هذه الاصول الاربعة او لادلة خاصة كنفس هذه الاربعة فلا محالة يتعين العمل بالظن عقلا.

٢٦٦

والحرج فبضميمة حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح فيتعين العمل بالظن ولكن يشكل على من جعل منجزية الأحكام بالعلم الاجمالي وجعله أحد مقدمات دليل الانسداد كما ذكرها الاستاذ قدس‌سره في الكفاية فعليه لا ينتج الدليل المذكور إلا الحكومة ولا يكون للكشف مجال لأن تعيين العمل في الظن في المظنونات هي من وظائف حكم العقل وليس للشارع حكم مولوي. نعم يمكن صحته على نحو الارشادية إذ به رجح الظن على غيره فترديد النتيجة على هذا المسلك بين القول بالكشف أو الحكومة لا معنى له بل يتعين حمله على الحكومة كما لا يخفى وايضا يشكل بأن غرض المستدلين بهذا الدليل هو تعيين ما هو البيان ويكون رافعا لموضوع البراءة فيكون الظن مثبتا للتكليف وهذا ينافى انحصار البيانية بالعلم الاجمالي إذ مع كونه بيانا لا معنى لبيان آخر فيكون العمل بالظن مع كون البيان بالعلم ليس إلا كونه مرجعا في مقام الاسقاط والخروج عن عهدة التكليف. وبالجملة كون الظن هو البيان لا بد من انحلال العلم الاجمالي وينحصر بيانيته بالظن لكونه من صغريات قيام امارة تثبت التكليف في اطراف العلم الاجمالي ولا اشكال في انحلال مثل هذا العلم الاجمالي والمفروض انه على هذا المسلك تنحصر البيانية في العلم ولا يكون غيره بيانا ثم انه على القول بكون الظن هو البيان بمقدمات الانسداد بني على اعتباره من قبل الشارع كما يقوله أهل الكشف فهل يكون اعتباره بنحو البدلية او فقط هو مثبت للتكليف وجهان الظاهر هو الثاني لأنه لو كان على نحو البدلية يكون لازمه انتفاء الحكم في المشكوكات فمع انتفاء الحكم فيها يخرج المشكوكات من اطراف العلم الاجمالي ومن الواضح بطلان اللازم لما نجد في انفسنا وجود الشك في التكليف على نحو يتساوى فيه الطرفان

٢٦٧

من غير مرجح كما لا يخفى.

المسلك الثاني ـ في ان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بالعلم ، بل يعم العلمي ايضا وعليه يكون في مورد وجوب الاحتياط تكون العقوبة على نفس الاحتياط ولم يكن العقاب على نفس الواقع لعدم تحقق البيان له لكي يتنجز ، ومع عدم تحقق البيان والتنجز لا تترتب العقوبة عليه وايضا لازم هذا المسلك ان نتيجة دليل الانسداد هو الكشف دون الحكومة بعكس المسلك المتقدم فلازمه الحكومة دون الكشف لان قضية انسداد باب العلم والعلمي وعدم اهمال التكليف بالنسبة الينا حصول العلم بوجود بيان من الشارع وبمقتضى بطلان الاحتياط وقبح ترجيح المرجوح يتعين البيان بالظن فيكون الظن هو البيان المنصوب من قبل الشارع فاذا وجد بيان من الشارع انحل ذلك العلم الاجمالي بوجود تكاليف لقيام إمارة من الشارع على أحد أطراف ذلك العلم الموجب لسقوط العلم عن المؤثرية.

المسلك الثالث ـ فى منجزية تلك الأحكام وان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بما ذكر من العلم أو العلمي بل يعم ذلك والاحتمال المتعلق بالتكليف الذي يحرز اهتمامه ، فكما ان العلم والعلمي منجزان للواقع كذلك الاحتمال المهتم به ايضا منجز للواقع مثلا الشارع اوجب الاحتياط مع احتمال التكليف ليس إلا لمنجزية الاحتمال كالاختبار للحائض ، وكوجوب الفحص مع احتمال التكليف ، فان الاختبار والفحص ليس إلا لمنجزية ذلك الاحتمال. وبالجملة ان عندنا كثير من الموارد يعرفها المتتبع يتنجز التكليف فيها بمجرد الاحتمال وليس مجرد الاحتمال يوجب تنجز التكاليف بل لا بد من ايجاد دليل يدل على وجود الاهتمام بهذا

٢٦٨

الاحتمال وقد عرفت انه بمقتضى المقدمة الثالثة (١) انا لسنا بمهملين وان الشارع

__________________

(١) وقد استدل لهذه المقدمة بامور ثلاثة : (الاول) الاجماع وهو وان لم يكن فعليا إلا انه يظهر للمتتبع بأن كل من تعرض لمسألة الانسداد يلتزم به بل انا نقطع من مذاق المتشرعة هو عدم اهمالنا من التكاليف كالبهائم. (الثاني) الخروج عن الدين لو لم يتعرض إلى الوقائع المشتبهة.

(الثالث) العلم الاجمالي بوجود تكاليف واجبة او محرمة وذلك يوجب التعرض للوقائع المشتبهة وعلى مقتضى هذه المدارك تختلف النتيجة ، فان المدرك ان كان الاجماع او خروج عن الدين فهو اساس الكشف ، وان كان المدرك هو العلم الاجمالي فان بنينا على كونه منجزا في الموافقة والمخالفة فيحرم مخالفته القطعية كما يجب موافقته القطعية فهو مبنى الحكومة وان بنينا على كونه منجزا بالنسبة الى المخالفة القطعية فيحرم المخالفة القطعية وليس منجزا بالنسبة الى الموافقة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية فهو مبني التبعيض في الاحتياط بيان ذلك ان عدم الاهمال ان كان لاجل الاجماع والضرورة فهو اساس الكشف حيث انه بقيام الاجماع على وجوب التعرض للوقائع المشتبهة او بلزوم الخروج عن الدين لو لم يتعرض لتلك الوقائع فينتج من ذلك ان الشارع لم يترك التكاليف ، والاحتياط في المقام لم يكن بنفسه طريقا موصلا فان العقل وان حكم ابتداء بوجوب تحصيل المحتملات إلا انه ليس مجعولا حيث انه بمرتبة توجب اختلال النظام وبمرتبة منه يوجب العسر والحرج وهما منفيان وبمرتبة منه لا يلزم شيئا منهما وهو التبعيض وهو يحتاج الى جعل كالظن ، وان حجيته تحتاج الى جعل شرعي وليس إلّا الظن فحينئذ يدل على حجية الظن شرعا وان كان المدرك لعدم

٢٦٩

مما اهتم بالتكليف فلا بد من حكم العقل بطريق أدنى من العلم وليس إلا الظن إذ هو القدر المتيقن فعليه تكون النتيجة حجية الظن من دون احتياج الى ضم بقية المقدمات الأخر ، بل يكفى انسداد باب العلم أو العلمى وعدم الاهمال وضم مقدمة لم يذكرها الشيخ في رسائله ، والمحقق الخراساني في كفايته قدس‌سرهما وهي اهتمام الشارع فيحكم العقل باتباع الظن ولا يحتاج الى ضم بطلان الاحتياط وترجيح المرجوح ، ولا يخفى ان النتيجة على هذا المسلك هي الحكومة لأن العقل يحكم باتباع الظن بمقتضى المقدمات الثلاث.

المسلك الرابع ـ في ان منجزية تلك الأحكام بما ذكرناه في الفرض السابق مع زيادة عليه وهي كون المنجزية من اساس الدين ، فان التكاليف تارة

__________________

الاهمال هو العلم الاجمالي بناء على وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية فهو اساس الكشف حيث يحكم ابتداء بتنجز العلم الاجمالي بوجوب الاتيان بجميع المحتملات ولكن لما كان موجبا للاختلال او العسر والحرج فالعقل يحكم اما بالتبعيض او حجية الظن ولا يخفى ان كشف العقل بحجية الظن شرعا او حكم العقل بلزوم التبعيض في الاحتياط انما هو فيما إذا لم يعلم اهتمام الشارع بها كالدماء والفروج والاموال الخطيرة واما فيها فلا معنى للكشف المذكور فان العلم برضاء الشارع بالاحتياط في معظم الأحكام وعدم ابتناء امر الشريعة على الامتثال الاحتمالي لا ينافى وجوب الاحتياط في موارد خاصة كما ان العقل عند عدم التمكن من الامتثال القطعي في جميع الموارد لا يتنزل الى الامتثال الظني مطلقا بل يحكم بوجوب الامتثال القطعي في الموارد المهمة ويتنزل الى الامتثال الظني في غيرها فلا تغفل.

٢٧٠

يتبين منها على وجه يتحقق بها اساس الدين ، واخرى لم يتبين ذلك فعلى الاول يجري قبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى الزائد عما يتبين به اساس الشريعة.

وعلى الثاني لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن العقل حاكم باتيان ما به اساس الدين ، فكل مورد يحتمل كونه منه يجب الاتيان به وعلى هذا المسلك يكون دليل الانسداد ايضا مركبا من ثلاث مقدمات انسداد باب العلم أو العلمى واحتمال المنجزية بمناط كونه اساس الدين وترجيح المرجوح قبيح فحينئذ يتعين العمل بالظن فهو كالمسلك المتقدم في كون دليل الانسداد مركبا من ثلاثة مقدمات غاية الأمر ان الفرق بينهما احتمال المنجزية في المسلك السابق انه اذا لم يبلغ الى كونه مما اهتم به لا يكون منجزا بخلاف هذا المسلك فانه بمجرد الاحتمال يتنجز التكليف ولا يحتاج الى احراز الاهتمام ، وبالجملة المسالك التي ذكرناها اربعة فعلى المسلك الاول دليل الانسداد مركب من مقدمات خمسة كما ذكره الاستاذ في الكفاية وعليه تكون النتيجة هي الحكومة ثبوتا ، وعلى المسلك الثاني يكون دليل الانسداد مركبا من مقدمات اربعة كما ذكره الشيخ في الفرائد وتكون النتيجة هى الكشف ثبوتا ، وعلى المسلك الثالث تكون النتيجة مركبة من ثلاثة مقدمات انسداد باب العلم والعلمي وعدم الاهمال واحتمال الاهتمام فتكون النتيجة هى الحكومة اثباتا لا ثبوتا وعلى المسلك الرابع ايضا الدليل يتركب من ثلاث مقدمات انسداد باب العلم والعلمي واحتمال المنجزية بمناط كونه اساس الدين وترجيح المرجوح قبيح فتكون النتيجة هي الحكومة اثباتا لا ثبوتا ، بقي الكلام في ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية مسلكا خامسا هو ما ذكره في المقدمة الثانية بما حاصله هو ان الامور الواقعية انما تتنجز بنصب الحجة او بانشاء حكم الاحتياط

٢٧١

وهذان المنجزان يتركان في كون كل واحد منهما في ظرف الشك ولكن يفترقان حيث ان الأول في مقام تنزيل المؤدي ، والثاني حكم في ظرف الشك وحينئذ اذا علمنا انا مكلفون في الوقائع ولكن حصل التردد في كيفية اعتبار المنجز هل هو بنحو الأول أو الثاني والنحو الأول من المتيقن اعتباره فحينئذ يجب الاحتياط ولما كان الاحتياط عسرا تعين العمل بالمظنونات لقبح ترجيح المرجوح انتهى ما لخصناه من كلامه قدس‌سره.

اقول : انه على هذا المسلك الخامس يوجب انحلال العلم الاجمالي فاذا انحل العلم الاجمالي يسقط عن منجزية تلك الأحكام فحينئذ يتوجه الاشكال على الاستاذ قدس‌سره انه بذلك يحصل التنافي لما جعله من كون العلم الاجمالي منجزا اذا عرفت ما ذكرناه لك من المسالك الخمسة في منجزية الأحكام الواقعية ، فاعلم ان المختار من هذه المسالك هو المسلك الثالث ، أما المسلك الأول الذي منجزية الاحكام بالعلم الاجمالي فقد عرفت انحلاله بالحجة المستكشفة من مقدمة عدم الاهمال فمع الانحلال يسقط العلم عن المنجزية ، وأما المسلك الثاني فقد عرفت في جعل الطرق والامارات من انه لا ينحصر المنجزية في خصوص الامارات بل يعم حتى الاحتمال المهتم به ، وأما المسلك الرابع فهو لا يصار اليه إلا في صورة عدم احراز الاهتمام وبمقتضى مقدمة عدم الاهمال فقد احرز احتمال الشارع لتلك التكاليف.

وأما المسلك الخامس ـ فمقتضاه انحصار المنجزية في نصب الحجة وجعل الاحتياط وقد عرفت عدم الانحصار بل يكفي في المنجزية احراز الاهتمام ثم انه على تقدير منجزية العلم الاجمالي ، أما ان يكون العلم الاجمالي في الدوائر واحدا أو متعددا وعلى تقدير التعدد اما ان يكون في كل دائرة علم لا ربط له بدائرة اخرى

٢٧٢

أو يكون التعدد بالتلفيق بأن يكون علم اجمالي في دائرة المظنونات مع بعض المشكوكات والموهومات مع بعض المظنونات وضابطة تعدد العلم واتحاده انه لو انعزل المظنونات وبقيت المشكوكات مع الموهومات فان بقي العلم الاجمالي مع انعزال تلك الدائرة فهو متعدد وإلا فمتحد.

فاذا كانت العلوم متعددة بحسب الدوائر كانت نسبة الاحتياط الى تلك الدوائر على السوية ولا مزية له مظنونات على غيرها ولا يلزم العمل بالاحتياط في الموهومات ترجيح بلا مرجح ولكن الانصاف أن دعوى تعدد العلم الاجمالي بحسب الدوائر مخالفة للوجدان إذ الوجدان حاكم بأنه ليس لنا إلا علم اجمالي واحد بين تلك الدوائر فبمقتضى هذا العلم الاجمالي العمل بجميع الدوائر وهو الاحتياط. ولكن الاحتياط باطل لمانع إما عقلي وهو ما يكون موجبا لاختلال النظام ، أو شرعي وهو ما كان موجبا للعسر والحرج الذي لا يبلغ إلى حد اختلال النظام.

أما الكلام في بطلان الاحتياط من جهة الاخلال بالنظام فيحكم العقل ببطلان الاحتياط فمقتضاه التخيير بين الدوائر ولكن لما كان ترجيح المرجوح قبيحا تعين العمل على مقتضي الظن فيترك الاحتياط في دائرة المشكوكات والموهومات وهذا واضح ولكن الاشكال في أن الترخيص الناشئ من حكم العقل بترك الاحتياط هل هو مطلق أو مشروط بمراعاة الاحتياط في دائرة المظنونات بحيث لو ترك الاحتياط في دائرة المظنونات يجب العمل بالاحتياط في المشكوكات أو الموهومات فيه وجهان مبنيان على مسألة الترتب فمن قال ببطلانه قال بالاول ، ومن قال بصحته قال بالثاني.

فعلى الأول يكون التكليف واحدا في دائرة المظنونات. وعلى الثاني :

٢٧٣

يكون متعددا أحدهما في دائرة الظنون مطلق والآخر في دائرة المشكوكات والموهومات مشروط بترك الاحتياط في الظنون هذا بكليهما في التكليف الناشئ من حكم العقل.

وأما التكليف الواقعي فيختلف حاله بالنسبة الى العلم بفعلية التكليف وعدمه من جهة الخلاف في كون التكليف بالاحتياط واحدا أو متعددا ، فمن قال بالوحدة نظرا الى محالية الترتب عنده كان اللازم القول بعدم فعلية التكليف لأنه من المحتمل كون التكليف في دائرة المشكوكات والموهومات ، فعلى تقدير وجوده لا يكون فعليا لوجود الترخيص ففي دائرة المظنونات نشك في وجوده فلا يكون فعليا. ومن قال بالتعدد نظرا الى صحة الترتب يكون التكليف بالواقعي فعليا لأنه على هذا القول بتولد علم اجمالي بفعلية التكليف إما مطلقا يتحقق في ضمن المظنونات أو مشروطا يتحقق في ضمن المشكوكات والموهومات فظهر من ذلك ان انحصار المنجزية في العلم الاجمالي مع الذهاب الى الترخيص المطلق متنافيان لأن الترخيص المطلق مستلزم لعدم تنجيز العلم الاجمالي.

بيان ذلك انه على تقدير انحصار التنجز بالعلم يلزم العمل بجميع الأطراف للخروج عن العهدة ولما كان العمل بجميع الأطراف متعذرا سقط حكم العقل بالعمل بالجميع الذي هو الاحتياط التام ، فالمقام يكون من قبيل ما لو تعذر بعض اطراف العلم غير المعين منجزا وكان بمقتضى حكم العقل التخيير بين الدوائر الثلاثة وبمقتضى المقدمة الأخيرة وهي قبح ترجيح المرجوح تعين العمل في خصوص المظنونات فتكون المشكوكات والموهومات تحت الترخيص المطلق فعلى تقدير وجود التكليف فيهما لا يكون فعليا فلا يكون منجزا لأن التنجيز فرع الفعلية فلا يكون العلم بيانا

٢٧٤

مع كون الترخيص مطلقا سواء قلنا بأنه علة تامة أو قلنا بأنه مقتض ، وأما لو كان الترخيص مشروطا في دائرة المشكوكات فيجتمع بيانية العلم مع حكم العقل أو القول بالتبعيض فنعلم اجمالا بتوجه تكليف اما مطلقا في دائرة المظنونات أو مشروطا في دائرة المشكوكات والموهومات فيجب عليه بسبب توجه هذا التكليف العمل بدائرة المظنونات فان عصي فيجب العمل في دائرة المشكوكات والموهومات.

وبالجملة : الموجب لحصر التنجيز في خصوص العلم هو كون العلم مقتض للتنجز والقول بالترتب لكي يتم ما ذكره من دليل الانسداد إذ مع عدم أحدهما لا يتم الدليل المذكور مع حصر التنجز بالعلم إذ لا أظن أن القائلين بالانسداد يلتزمون ذلك فلو قال بعلية العلم الاجمالي لا يجري الدليل المذكور حيث لا معنى لمجيء الترخيص أو القول بعدم الترتب فانه ايضا لا يجري الدليل المذكور.

اذا عرفت ما ذكرنا لك من المسالك الخمسة فاعلم انه يقع الكلام في بيان مقدمات باب الانسداد فاعلم ان المقدمة الاولى لا اشكال في انسداد باب العلم الوجداني فان العلم التفصيلي بالحكم من النصوص المتواترة ومن الاجماعات القطعية قليل لا يفي بالأحكام الشرعية وأما بالنسبة الى انسداد باب العلم فهو في محل المنع لما عرفت من تمامية الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد الموثوق الصدور الدال على معظم الأحكام الشرعية بنحو لا يحصل محذور من الرجوع الى الاصول العملية الجارية في الموارد الخالية من النصوص. ولذا كان البحث في أن دليل الانسداد بنحو الحكومة أو الكشف قليل الفائدة.

وأما المقدمة الثانية : التي هي عدم اهمال التكاليف في الوقائع المشكوكة

٢٧٥

والرجوع الى البراءة الأصلية مما لا اشكال في اعتبارها وانما الكلام في مدرك هذه المقدمة هل هو العلم الاجمالى بالتكليف أو هو الاجماع او محذور الخروج عن الدين وقد عرفت اختلاف النتيجة حكومة وكشفا أو تبعيضا والظاهر أن المدرك هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين وبذلك يستكشف وجود مرجح آخر مثبت للتكاليف الواقعية بالمقدار الكافي غير العلم الاجمالى وعليه يسقط العلم الاجمالى عن البيانية لانحلاله بذلك المنجز بل ربما يقال ان المدرك هو خصوص محذور الخروج عن الدين لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين هو ذلك وعليه لا معنى للتبعيض.

وبما ذكرنا يظهر انه لا حاجة لما التزمه صاحب الكفاية (قده) من انحلال العلم الاجمالى بالأحكام الثابتة في موارد الاصول المثبتة مع ضم الاجماعات القطعية والنصوص المتواترة أو المحفوفة بالقرينة وما علم من الأحكام الشرعية.

وأما المقدمة الثالثة : التي هي عبارة عن بطلان الرجوع الى الطرق المقررة للجاهل من التقليد أو الاصول المثبتة أو الأخذ بالاحتياط فمدركه هو دعوى الاجماع القطعي على عدم جواز الرجوع الى مثل التقليد ونحوه إذ ذلك وظيفة الجاهل ولا يشمل مثل من كان باذلا جهده لبطلان مدرك العالم المخطئ له في اعتقاده كما انه لا معنى للرجوع الى الاصول النافية لتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف والمستلزمة للمخالفة القطعية المعبر عنه بالخروج عن الدين ، وأما المثبتة كالاستصحاب والاحتياط في الموارد التي تكون الشبهة من أطراف العلم الاجمالى فقيل بعدم جريانها لوجهين : الاول منافاته للعلم الاجمالى كما عن الشيخ الانصاري قدس‌سره. والثاني قصور في المجعول الذي هو مفاد الاصول التنزيلية كما عن

٢٧٦

بعض الاعاظم (قده) حيث أن مفادها البناء العملي وبالاخذ بأحد طرفي الشك والغاء الطرف الآخر تشريعا وذلك انما يتم في الشبهات البدوية لا المقرونة بالعلم الاجمالى إذ مع تحققه يعلم بانتقاض الحالة السابقة وانقلاب الاحراز السابق الى احراز آخر يضاده وحينئذ لا يمكن الحكم ببقاء الحالة السابقة تعبدا إذ لا يعقل اجتماع الاحراز التعبدي مع الاحراز الواقعي ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين من النظر أما لزوم الاحتياط للعسر والحرج فهو ممنوع لقلة موارده.

وأما عن الثاني فلما ذكرناه سابقا ان اليقين الوجداني يتعلق بالعنوان الاجمالى من دون سرايته الى الخصوصيات فلا مانع من جريان الاصل بالنسبة الى الخصوصيات وتحقق اليقين بالعنوان الاجمالى لتغاير متعلقيهما ، فلا يكون الاحراز التعبدي منافيا للاحراز الواقعي فان متعلق الاصول هي العناوين التفصيلية المتعلقة للشك والعنوان الاجمالى قد تعلق به اليقين فلا يكون أحدهما مضادا للآخر إذ موضوع التعبد بالابقاء ليس هو اليقين بأحد العنوانين ولا احد الخصوصيتين لكي ينافي العلم الاجمالى وإنما هو العنوان على نحو التفصيل اللهم إلا ان نقول بسراية العلم الاجمالى الى الخصوصيات ، وقد عرفت ضعفه وبما ذكرناه يندفع ما يقال المنع من جريان الاصول المحرزة بتحقق المضادة بينهما وبين العلم الاجمالى.

واما بطلان الاحتياط فالذي يدل عليه الاجماع القطعي وقاعدتي نفي العسر والحرج بل واختلال النظام النوعي والشخصي من غير فرق بين ان يكون الحاكم بالاحتياط به هو العقل من جهة العلم الاجمالي او الحاكم به الشرع من جهة الاجماع.

لما عرفت من ان الاجماع القطعى وادلة نفي العسر والحرج تدل على

٢٧٧

عدم وجوبه. نعم وقع الاشكال بالنسبة الى الأخير بدعوى ان ادلة نفى العسر والحرج ترفع الأحكام التي يكون لها حالتان : حالة عسره او حرجه ، وحالة غيرهما كأدلة الضرر تارة ولا تتصف به اخرى ، واما لو كان الحكم دائما ضرريا كالزكاة والجهاد فلا تشمله تلك الأدلة والاحتياط من قبيل الثاني فانه ليس إلّا ضرريا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو كان دليل نفي الحرج ناظرا الى خصوص إيجاب الاحتياط واما لو كان نظره الى الحكم الواقعي فلا اشكال في اتصافه بحالتين حالة تكون امتثاله حرجا وعسرا ، واخرى لا يلزم ذلك فعلى الأول يكون عسره لأجل الاشتباه فيرتفع فعلية ذلك الحكم الملازم لانتفاء وجوب الاحتياط وبذلك يجاب عن شبهة عدم شمول ادلة نفي الضرر والحرج لنفي الاحتياط العقلي بتقريب ان الضرر والحرج لا يتأتيان من نفس الحكم الشرعى وانما حصلا بالأمر الخارجي وهو حكم العقل بالجمع بين المحتملات وحينئذ ادلة الضرر والحرج لا تكون ناظرا لمثله حتى يكون منفيا بعموم تلك الأدلة. وقد عرفت ان ذلك مندفع لأن الضرر والحرج وان كانا من جهة امر خارجي ولكن منشأ ذلك هو فعلية التكاليف المجهولة. ومن الواضح ان تلك الادلة ترفع ايجاب الاحتياط باعتبار انها ترفع منشأه ـ اعني فعلية تلك التكاليف ـ. نعم بقي في المقام ما ينبغي له التعرض هو ان الشيخ الانصاري قدس‌سره ذكر في ذيل المقدمة الثالثة (١) ما ملخصه ان العلم الاجمالى لما كان مقتضيا للعمل بجميع الاطراف

__________________

(١) وهي عدم وجود منجز وطريق نرجع اليه من الامارات والاصول النافية والمثبتة وكالقرعة وأمثالها. أما الاصول فلا تجري في اطراف العلم الاجمالى لانتقاض مجراها للمعلوم بالاجمال ، ولصاحب الكفاية

٢٧٨

ولزم من رعاية الاحتياط عسر وحرج فينتج من ذلك التبعيض بالاحتياط بمقدار

__________________

ـ قدس‌سره كلام حاصله أن لنا مراتب ثلاث :

الأول ـ ان الاصول التنزيلية تجري ولا يمنع من جريانها العلم الاجمالى بالانتقاض. ولكن لا يخفى ان المناقضة ليست في الدليل كما يظهر من شيخنا الأنصاري (قده) وانما المناقضة تحصل في نفس الجعل لعدم معقولية جعل شيئين متناقضين.

الثاني ـ انه لو سلم كون العلم الاجمالى مانعا عن جريان الاصول لكن نمنع ذلك في خصوص المقام لعدم مناقضته إذ المشكوكات التي هي مجرى للاصول ليست احكامها فعلية فلا تجري الاصول في جميع الاطراف وانما تجري الاصول فيما لو كانت فعليا دون ما لم يكن كذلك.

أقول : ان ذلك ينبغي ان يجعل اشكالا علميا في جريان الاصول

بيان ذلك يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي ان الشك في الحكم الكلي إنما هو وظيفة للمجتهد كالشك في وجود النسخ ، وكالشك في نجاسة الماء إذا زال تغيره فيجري الاستصحاب في نفس الحكم الكلي. وأما لو شك في نفس الموضوع الخارجي فليس اثبات الحكم الجزئى من وظيفة المجتهد فلذا وقع الاشكال في جريان الاستصحاب في الاحكام الجزئية لعدم كونها من وظائف المجتهد ، اذ استنباط المجتهد للاحكام الشرعية لم يكن على نحو النيابة بل من جهة كونه يرى نفسه نفس المكلف فيكون عنده امور ثلاثة كلية أي علوما كلية : (الاول) يعلم كون بعض الموضوعات حصل فيها التغير لكي يكون مجرى للاصول. (الثانى) يشك كليا في ثبوت الحكم لها. (الثالث) حصول العلم بانتقاض احداها. فهذه الامور الثلاثة كانت بنحو الكلية والشك الذي هو موضوع الاصل يكون

٢٧٩

يرتفع به العسر بأن لا يعمل بالاحتياط في الموهومات ويعمل بالاحتياط في

__________________

فعليا في جميع الاطراف ولا يمكن جريان الاستصحاب في جميع الاطراف للزوم المخالفة العملية القطعية بل لو لم نقل المانع من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالى هو لزوم المخالفة العملية كما هو مختار صاحب الكفاية فلا مانع من جريانه ما لم يلزم منه ذلك كما لو علم بطهارة أحد الإناءين المسبوقين بالنجاسة فانه لا يلزم من استصحاب نجاستهما مخالفة عملية.

وأما لو قلنا بأن العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في بعض الاطراف بنفسه مانع من جريان الاستصحاب في اطرافه كما هو مختار الشيخ الانصاري قدس‌سره فلا مجال للرجوع الى استصحاب التكليف في المقام للعلم بانتقاض الحالة السابقة وان لم يلزم منه مخالفة عملية. ودعوى أن تدريجية الاستنباط يوجب عدم كون الشك الذي هو موضوع الاصل فعليا بالاضافة الى جميع الاطراف لعدم الالتفات اليها دفعة ليحصل له شك فعلي بل يكون التفاته اليها تدريجيا وكلما التفت الى حكم كان شكه فعليا فيجري فيه الاستصحاب ، واما ما لم يلتفت اليه لا يكون موردا للاستصحاب فلا تحصل المناقضة من جريان الاستصحاب إذ لا يكون العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في بعض الموارد مانعا عن جريان الاستصحاب في المقام كما هو الحال في استنباط الاحكام للمجتهد ولكن لا يخفى ان المجتهد وان لم يكن ملتفتا الى جميع الشبهات دفعة واحدة إلا انه بعد استنباطها وجعلها في الرسالة ليس له الافتاء للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها على انه لا يمنع ذلك من جريان الاصول النافية إذ المانع من جريانها. اما ان يكون العلم الاجمالي او لزوم الخروج عن الدين او الاجماع مع ان الاول غير حاصل والاخيران إنما يمنعان من اجرائها في الجميع لا من خصوص

٢٨٠